الاجتهاد والمذاهب الفقهية الأربعة
حوار مع الشيخ أسامة عبد الكريم الرفاعي حفظه الله
الجزء الأول
حبذا لوتعطونا فكرة عن أهمية الاجتهاد ، وماهو موقعه في علم أصول الفقه .
موضوع الاجتهاد والتقليد عنوان من عناوين أصول الفقه ، يعني ليس باباً من أبواب أصول الفقه بل هو كتاب من كتب أصول الفقه ، كل كتاب في أصول الفقه يحتوي في ضمنه على كتب ، والكتاب يحتوي على أبواب ، والأبواب تحتوي على مسائل ، فهذا الاجتهاد والتقليد ليس من الأبواب وإنما هو من الكتب ، يعني هو موضوع كبير ورئيسي في علم أصول الفقه بل في ضمن تعريف أصول الفقه التعريف العام لأصول الفقه يدخل هذا الموضوع ، فيقولون في تعريف الأصول هو علم يعني أصول الفقه هو علم بأصول يُبحث فيه عن أحوال أدلة الفقه الإجمالية ، وعن المرجحات وصفات المجتهد ، يعني تصور علم الأصول كله قسموه بثلاثة عناوين ، عنوان منها هو الاجتهاد أو الاجتهاد و التقليد ، نعود للتعريف علم بأصول يُبحث فيه عن أحوال أدلة الفقه الإجمالية وعن المرجحات ، المقصود بالمرجحات أنه إذا كان قد اختلفنا في مسألة علمية على رأيين كيف نرجِّح رأيا على آخر ، وإذا كان في المسألة نصان شرعيان ظاهرهما التعارض فكيف نرجح نصا على نص ، هذا باب عظيم وعلم غزير جدا في أصول الفقه ، وصفات المجتهد طبعا كلها تُبحث تحت عنوان الاجتهاد والتقليد .
هل هناك صفات وشروط معينة ينبغي أن يتحلى ويتحقق بها مَن يريد أن يكون مجتهداً ؟
صفات المجتهد ويقصدون فيها شروط المجتهد ، الشروط التي ينبغي أن تتوفر في الإنسان حتى يكون مجتهداً ، ومما أحب أن أشير إليه أنه ليس مَن عرف صفات المجتهد أصبح مجتهداً ، يعني الأصول الذي يتعلم أصول الفقه ويتمكن في أصول الفقه ليس مجتهداً ، لأنه عرف صفات المجتهد مجرد معرفة ، ولكنه لم يتحلَّ بها لم تقم به هذه الشروط ، فإذا قامت به هذه الشروط واتصف بهذه الصفات أصبح أصولياً ومجتهداً ، إذنً أصول الفقه والتمكن من أصول الفقه شيء والاجتهاد شيء آخر ، الأصولي يعرف مجرد معرفة عقلية ، أنا مثلا لو أنني عرفت كيف يُصنع الخبز وأتقنت هذه الصنعة إتقاناً كاملاً ، لا أشبع حتى أكل رغيف الخبز فإذا أكلت رغيف الخبز أشبع ، وهنا الأصولي مهما تمكَّن من معرفة صفات المجتهد فلا بد له من الممارسة حتى يعرف صفات المجتهد وتكون واضحة ناصعة في ذهنه تماماً ، حتى يعرف شروط المجتهد وصفاته تماماً ، هذه مرحلة جيدة ولكن لا يُسمى معها مجتهدا إنما لا بد أن تقوم به هذه الشروط ، والنقلة بين معرفة شروط المجتهد والتحلي بشروط المجتهد نقلة كبيرة واسعة تحتاج إلى جهود كبيرة وتحتاج إلى أفق واسع ، وتحتاج إلى فهم غزير وعقل ثاقب حتى يستطيع أن يتحلى بصفات المجتهد .
نسمع أن المجتهدين طبقات هل هذا صحيح ؟
الأصوليون يقولون إن المجتهدين ليسوا سواءً ، إنما هنالك مجتهد مطلق ، ومجتهد مذهب ، ومجتهد فتوى ، و بعض الأصوليين يوسِّع أكثر من ذلك ويدخل في الفروع فيجعل الاجتهاد مراتبه أكثر من ذلك بكثير ولكن أحب في هذه العجالة الاختصار قدر الإمكان .
ما هي صفات وشروط المجتهد المطلق ؟
المجتهد المطلق هو الذي أتقن نصوص الكتاب والسنة التي تدل على الأحكام ، أتقنها إتقانا كاملاً حفظ آيات الأحكام كلها ، والأحاديث التي تتعلق بالأحكام ، وفهم مفرداتها وفهم دلالاتها ، و استطاع أن يعرف الأحاديث صحيحها من حسنها إلى آخر ما هنالك ثم أيضا له أصول قائمة في نفسه من خلال هذه الأصول يستنبط الأحكام ، ومن ذلك أن يعرف مثلا مواقع الإجماع التي أجمع عليها العلماء سابقاً ، لا ينبغي أن يجتهد ولا يجوز له بحال من الأحوال أن يمد يده إلى نص من نصوص الكتاب والسنة ليجتهد في مسألة ما إلا أن يكون مطلعاً إطلاعاً قوياً على كل موقع من مواقع الفقه فيه إجماع للفقهاء في أي عصر من العصور ، وكما تعلمون أن العصور الأولى هي عصور غنية بالإجماع ، عصر الصحابة ، عصر التابعين ، وتابع التابعين ، هذه عصور غنية بالإجماع ، وما بعد ذلك أصبح الإجماع خفيفاً وقليلاً ، فأن يكون محيطاً إحاطة تامة ومتمكناً تمكناً كاملاً بمعرفة المواقع التي أجمع عليها العلماء.
لماذا يوجب العلماء هذا الأمر أن يكون المجتهد محيطاً بمواقع الإجماع ؟
لأن الإجماع تحرم مخالفته ، مخالفة الإجماع حرامٌ شرعاً ، الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه يقرر حرمة مخالفة الإجماع وسئل عن دليله من القرآن الكريم ، فأطرق إطراقة طويلة مرَّ فيها على كتاب الله كله فلم يعثر على دليل ، ثم أيضا مرَّ على القرآن كله ، ثم مرَّ مرة ثالثة على القرآن كله فالتقطها وأكرمه الله بها قال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) إذنً دليل مخالفة الإجماع أنه حرام من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) وعقلاً ومنطقاً أيضاً ولا أريد أن أفصل في هذا ، المهم تحرم مخالفة الإجماع ، فكيف يستطيع أن يعرف المرء نفسه إذا أراد أن يجتهد في مسألة ما ، كيف يعرف إذا خالف الإجماع أو لم يخالف الإجماع إذا لم يكن يعرف مواقع الإجماع ، إذا لم يكن يعرف المسائل التي أجمع عليها العلماء رضي الله تعالى عنهم ، ولو فرضنا أنه اجتهد دون أن يعرف ثم بعد ذلك تبين أن اجتهاده مخالف لإجماع العلماء فهذا يسمى خرقاً للإجماع ، وخرقُ الإجماع حرامٌ بالإجماع ، وإما أن يوافق فتكون نتيجة اجتهاده موافقةً لاجتماع العلماء ، فالعلماء يقولون ليس الاعتداد برأيه ولا اجتهاده ولا بالوسيلة التي وصل إليها ، وإنما الاعتداد بالإجماع ، فكان اجتهاده وتعبه هدراً ، أذهَبَ وقته وجهده هدراً ، ولو اطلع على موقع الإجماع لكان اتبعه وسكت ، فإذنً من شروط المجتهد أن يعرف مواقع الإجماع.
هل تذكروا لنا بعض من اعتنى بمواقع الإجماع ؟
أشير هنا إشارة عابرة إلى بعض العلماء الذين اعتنوا بمواقع الإجماع، منهم مثلا: ابن جرير الطبري رضي الله تعالى عنه ، وابن المنذر ، والعبدري ، وابن عبد البر ، كل هؤلاء اعتنوا كثيراً في كتبهم بنقل مواقع الإجماع ، لكن أعظم هؤلاء على الإطلاق بدون منازع الإمام ابن المنذر رضي الله تعالى عنه ، وخاصة في كتابه (الإشراف على مذاهب الأشراف) فابن المنذر رحمه الله له كتاب اسمه (الإجماع) وله كتاب اسمه (الإشراف على مذاهب الأشراف) وهو كتاب كبير وفيه خير كثير ومن جملة ما فيه مواقع الإجماع ، هذا شرط من شروط المجتهد.
سيدي ما هي بقية شروط المجتهد لو سمحتم؟
ومن شروط المجتهد أن يكون متمكناً في علم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يكن متمكناً فإنه لا يمكن أن يسمى مجتهداً مطلقاً، لا يمكن لأن علم مصطلح الحديث هو الذي يدرب صاحبه نقض الأحاديث الواردة ، صحيحها من حسنها من سقيمها من موضوعها إلى آخر ما هنالك ، وفي ذلك علوم غزيرة جداً وخاصة علم علل الأحاديث ، المتمكنون في علل الأحاديث إنما هم قلة من الحفاظ الكبار، وهذا يعرفه المشتغلون بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومَن لم يتمكن في هذا تمكناً كاملاً فلا يكون مجتهداً مطلقاً ، قد يكون مجتهد مذهب مثل الإمام الغزالي، الإمام الغزالي غزير جداً في علمه وفي فقهه وفي لغته، ولكن لأنه لم يكن متمكناً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى العلماء رضي الله عنهم أن يصنفوه مجتهداً مطلقاً ، إنما هو مجتهد مذهب ، مجتهد أدنى فهو يجتهد ضمن مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه.
معرفة الناسخ والمنسوخ:
ومن جملة شروط المجتهد أيضا معرفة الناسخ والمنسوخ ، يجب أن يعرف المجتهد مواقع النسخ كلها من أولها لآخرها بإتقان ، كل ناسخ وكل منسوخ يجب أن يعرفه وما لم يعرفه يقع في أغلاط كما وقع فيها بعضهم مما سأذكره بعد قليل.
التمكن في اللغة العربية:
أيضا من الشروط الضرورية للمجتهد أن يكون متمكناً في اللغة العربية بكل فنونها ، لأن اللغة العربية هي الحقيقة ، وخاصة النحو فيها هو مفتاح العلوم كلها ، أيُّ علم تريد أن تدخل فيه ما لم تكن متمكناً في النحو فإنك لا تستطيع الدخول في هذا العلم ، ولا تستطيع فهم مستغلقات هذا العلم إلا أن تكون متمكناً في علم النحو والإعراب ، لأن علم النحو والإعراب هو الذي يعرب عن حقيقة المعنى الذي يجتهد عليه في النص ، وأذكر مرة وأكثر من مرة والدي رحمه الله أمرُّ على نص من النصوص أستصعبه جداً ، فأعيده مرة واثنتين وثلاثة وأتأمل فيه تأملاً شديداً وهو مستغلق علي ، فآتي للوالد رحمه الله فيضحك رحمه الله ويقول لي أعرب هذا النص ، كم هذا النص سطران ثلاثة خمسة أعربْه ، سبحان الله لما أُعرب هذا النص أقف عند كلمة يخطر في بالي مثلاً أنها تكون صفة ، وقد تكون حالاً فيختلف المعنى اختلافاً كثيراً فيفُتح الباب وأستطيع فهم هذه المسألة ، بمجرد اختلاف إعراب كلمة من الكلمات أو موقعها ضمن تركيب من التركيبات يختلف المعنى اختلافاً كاملاً ، ويفتح آفاقاً أمام الإنسان الذي يدرس مسائل العلم في مسألة النحو ، فلا طريق للإنسان في طلب العلم أيِّ علم من العلوم إذا أراد أن يدخل يغوص في هذا العلم غوصاً شديداً لا بد له من أداة فعالة وهي علم النحو ، ولكن المجتهد لا يكتفي بعلم النحو ولا يجوز أن يكتفي بعلم النحو ، إنما لا بدَّ له من علم النحو وعلم الصرف وعلم البلاغة من معاني وبيان وبديع ، وعلم متن اللغة ، وعلم التضاد يعني الكلمات التي تحمل معاني متضادة ، هذه كلها علوم لا بد من أن يتمكن فيها الإنسان حتى نستطيع أن نصفه بأنه مجتهد.
وهذه أهم الصفات التي يتفق عليها الأصوليون كلهم على أنها صفات ينبغي أن تقوم بالمجتهد.
الإحاطة بالمرجحات:
وأن يكون أيضاً محيطاً بالمرجحات، فكما قلت لكم جزء كبير من أصول الفقه اسمه المرجحات ، وهو كيف تستطيع أو ما هو السبيل لترجيح نص على نص إذا كان ظاهرهما التعارض ، نصان ظاهرهما التعارض كيف ترجح هذا على هذا ، هناك احتمالات كثيرة جدا عشرة احتمالات عشرون احتمالا ثلاثون أربعون احتمالا بل وصل بعض العلماء القدامى في تعدادها إلى خمسة وخمسين نصَّ على خمسة وخمسين مرجحاً من المرجحات ، ثم جاء بعده من المتأخرين مَن وصل فيها إلى مائة وخمسين مرجحاً ، لا يكون المجتهد مجتهداً إلا أن يقتدر على إتقان هذه المرجحات ، فإذا ظهر له تعارض بين نصين ـ ولا يوجد تعارض في نصوص الشريعة والحمد لله ـ لكن إذا ظهر تعارض بين نصين ، فلا بد أن يعرف هذه المرجحات المائة والخمسين حتى يمرر هذين النصين المتعارضين يمررها على هذه المرجحات كلها ، حتى يعرف أيهما الراجح و أيهما المرجوح ، أيهما يُعمل به و أيهما يُلغى ، ولا يلجأ إلى الإلغاء ، فالإلغاء هو آخر مرحلة يمكن أن يصل إليها المجتهد بعد أن يحاول الجمع بين النصوص ، ومن المتمكنين في هذا الفن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه ، له كتاب اسمه (بيان اختلاف الحديث) مهمة هذا الكتاب من أوله إلى آخره أن يلتقط من هذه النصوص التي ظاهرها التعارض ، ويعلمنا كيف تنظر إلى النصين فتراهما متعارضين ، ثم بعد أن تقرأ بَحْثَ الإمام الشافعي من أوله إلى آخره تقنع أنه ما من تعارض بينهما ، وإنما يكمل أحدهما الآخر وهذا يدل على نقاط معينة ، وهذا يدل على نقاط أخرى ، أو مواقع أخرى غير مواقع الحديث الأول ، وهكذا ، أضرب على ذلك مثلا قول ربنا تبارك وتعالى: ( ولا تبطلوا أعمالكم ) بعض العلماء فهم منه أنه لا يجوز إبطال العمل مهما كان، أي عمل بدأت فيه لا يجوز أن تبطله، متى شرعت فيه وجب عليك إتمامه سواء كان فرضا من الفروض أو سنة من السنن ، الشافعية وكثير من العلماء الآخرين رأيهم أن الفروض إذا شرعت فيها وجب إتمامها ، أما النوافل إذا شرعت فيها فلا يجب إتمامها ، هذا الكلام لا تأخذوه على العموم لأن له استثناءات ، ولكن هذه أصل المسألة ، فالشافعية لا يرضون أن يروا حديثين أو نصين ويبطلوا واحداً منهما إن هذين النصين ما جاءا لنلغي واحداً منهما جاءانا لنعمل بالاثنين ( ولا تبطلوا أعمالكم ) نعم يجب أن لا نبطل أعمالنا ونظروا فرأوا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ) بعض العلماء قالوا الصائم نستثنيه الصائم متطوع ، وتبقى الأعمال فرضاً أو نفلاً يجب إتمامها إلا الصوم فلا يجب إتمامه ، لكن الشافعية يصرون على أن هذا الحديث (الصائم المتطوع) إنما يشمل التطوعات كلها، كل النوافل يمكن إذا بدأ بها الإنسان أن لا يتمها لكن يسن له إتمامها ، وحجتهم في ذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الصائم المتطوع ) هذه الكلمة (المتطوع) ما هو اشتقاقها ؟ باللغة العربية اسم فاعل متطوع من فعل تطوع ، اسم الفاعل مشتق ، و عندهم قاعدة -لا أتوسع- لكن عندهم قاعدة عندهم أدلتهم عليها تقول: ( تعليق الحكم بمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق ) تعليق الحكم، والحكم هنا هو (إن شاء صام وإن شاء أفطر) تعليق هذا الحكم بلفظ مشتق من المشتقات ، اسم الفاعل من المشتقات علقناه بهذا المشتق الذي هو المتطوع ، اسم فاعل هذا التعليق يؤذن يعني يعلمنا ، يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق ، يعني ذلك أن أصل هذا المشتق هو العلة ، إذنً التطوع في هذا الحديث علة إباحة الفطر أو إتمام الصيام للصائم المتطوع علة ذلك أنه متطوع ، علة ذلك التطوع ، وهذه العلة موجودة في الصلاة أيضاً ، إذا أراد أن يصلي ركعتين لوجه الله هو متطوع ، علة التطوع موجودة فيها ، فيقيسون هذا على ذاك ، يقيسون كل السنن على قوله صلى الله عليه وسلم ( الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ) ولا يستثنى من ذلك إلا الحج والعمرة إذا بدأ فيهما وجب إتمامها نفلا كانا أو فرضا ، إذن أصبح عندنا نصان قد أعملناهما ولم نلغ واحداً منهما ( ولا تبطلوا أعمالكم ) إذن هي للفروض ( الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ) وهي للنوافل ، هذه طريقة للجمع لا للترجيح ، يعني لم يحوج الشافعية أنفسهم إلى الترجيح ، قبل أن يصلوا إلى الترجيح أعملوا النصين وهذه براعة شديدة من المجتهد أن لا يصل إلى درجة يرجح فيها نصاً على نص ، لا يرجح بل يجمع بينهما ، و طريقة الجمع هذه من المتخصصين الكبار فيها الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه ، أنه لا يلغي نصاً ولا يسقط نصاً من النصوص وأنه يحاول الجمع بين النصوص ، هذا كما قلت مجمل شروط المجتهد المطلق .
حوار مع الشيخ أسامة عبد الكريم الرفاعي حفظه الله
الجزء الأول
حبذا لوتعطونا فكرة عن أهمية الاجتهاد ، وماهو موقعه في علم أصول الفقه .
موضوع الاجتهاد والتقليد عنوان من عناوين أصول الفقه ، يعني ليس باباً من أبواب أصول الفقه بل هو كتاب من كتب أصول الفقه ، كل كتاب في أصول الفقه يحتوي في ضمنه على كتب ، والكتاب يحتوي على أبواب ، والأبواب تحتوي على مسائل ، فهذا الاجتهاد والتقليد ليس من الأبواب وإنما هو من الكتب ، يعني هو موضوع كبير ورئيسي في علم أصول الفقه بل في ضمن تعريف أصول الفقه التعريف العام لأصول الفقه يدخل هذا الموضوع ، فيقولون في تعريف الأصول هو علم يعني أصول الفقه هو علم بأصول يُبحث فيه عن أحوال أدلة الفقه الإجمالية ، وعن المرجحات وصفات المجتهد ، يعني تصور علم الأصول كله قسموه بثلاثة عناوين ، عنوان منها هو الاجتهاد أو الاجتهاد و التقليد ، نعود للتعريف علم بأصول يُبحث فيه عن أحوال أدلة الفقه الإجمالية وعن المرجحات ، المقصود بالمرجحات أنه إذا كان قد اختلفنا في مسألة علمية على رأيين كيف نرجِّح رأيا على آخر ، وإذا كان في المسألة نصان شرعيان ظاهرهما التعارض فكيف نرجح نصا على نص ، هذا باب عظيم وعلم غزير جدا في أصول الفقه ، وصفات المجتهد طبعا كلها تُبحث تحت عنوان الاجتهاد والتقليد .
هل هناك صفات وشروط معينة ينبغي أن يتحلى ويتحقق بها مَن يريد أن يكون مجتهداً ؟
صفات المجتهد ويقصدون فيها شروط المجتهد ، الشروط التي ينبغي أن تتوفر في الإنسان حتى يكون مجتهداً ، ومما أحب أن أشير إليه أنه ليس مَن عرف صفات المجتهد أصبح مجتهداً ، يعني الأصول الذي يتعلم أصول الفقه ويتمكن في أصول الفقه ليس مجتهداً ، لأنه عرف صفات المجتهد مجرد معرفة ، ولكنه لم يتحلَّ بها لم تقم به هذه الشروط ، فإذا قامت به هذه الشروط واتصف بهذه الصفات أصبح أصولياً ومجتهداً ، إذنً أصول الفقه والتمكن من أصول الفقه شيء والاجتهاد شيء آخر ، الأصولي يعرف مجرد معرفة عقلية ، أنا مثلا لو أنني عرفت كيف يُصنع الخبز وأتقنت هذه الصنعة إتقاناً كاملاً ، لا أشبع حتى أكل رغيف الخبز فإذا أكلت رغيف الخبز أشبع ، وهنا الأصولي مهما تمكَّن من معرفة صفات المجتهد فلا بد له من الممارسة حتى يعرف صفات المجتهد وتكون واضحة ناصعة في ذهنه تماماً ، حتى يعرف شروط المجتهد وصفاته تماماً ، هذه مرحلة جيدة ولكن لا يُسمى معها مجتهدا إنما لا بد أن تقوم به هذه الشروط ، والنقلة بين معرفة شروط المجتهد والتحلي بشروط المجتهد نقلة كبيرة واسعة تحتاج إلى جهود كبيرة وتحتاج إلى أفق واسع ، وتحتاج إلى فهم غزير وعقل ثاقب حتى يستطيع أن يتحلى بصفات المجتهد .
نسمع أن المجتهدين طبقات هل هذا صحيح ؟
الأصوليون يقولون إن المجتهدين ليسوا سواءً ، إنما هنالك مجتهد مطلق ، ومجتهد مذهب ، ومجتهد فتوى ، و بعض الأصوليين يوسِّع أكثر من ذلك ويدخل في الفروع فيجعل الاجتهاد مراتبه أكثر من ذلك بكثير ولكن أحب في هذه العجالة الاختصار قدر الإمكان .
ما هي صفات وشروط المجتهد المطلق ؟
المجتهد المطلق هو الذي أتقن نصوص الكتاب والسنة التي تدل على الأحكام ، أتقنها إتقانا كاملاً حفظ آيات الأحكام كلها ، والأحاديث التي تتعلق بالأحكام ، وفهم مفرداتها وفهم دلالاتها ، و استطاع أن يعرف الأحاديث صحيحها من حسنها إلى آخر ما هنالك ثم أيضا له أصول قائمة في نفسه من خلال هذه الأصول يستنبط الأحكام ، ومن ذلك أن يعرف مثلا مواقع الإجماع التي أجمع عليها العلماء سابقاً ، لا ينبغي أن يجتهد ولا يجوز له بحال من الأحوال أن يمد يده إلى نص من نصوص الكتاب والسنة ليجتهد في مسألة ما إلا أن يكون مطلعاً إطلاعاً قوياً على كل موقع من مواقع الفقه فيه إجماع للفقهاء في أي عصر من العصور ، وكما تعلمون أن العصور الأولى هي عصور غنية بالإجماع ، عصر الصحابة ، عصر التابعين ، وتابع التابعين ، هذه عصور غنية بالإجماع ، وما بعد ذلك أصبح الإجماع خفيفاً وقليلاً ، فأن يكون محيطاً إحاطة تامة ومتمكناً تمكناً كاملاً بمعرفة المواقع التي أجمع عليها العلماء.
لماذا يوجب العلماء هذا الأمر أن يكون المجتهد محيطاً بمواقع الإجماع ؟
لأن الإجماع تحرم مخالفته ، مخالفة الإجماع حرامٌ شرعاً ، الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه يقرر حرمة مخالفة الإجماع وسئل عن دليله من القرآن الكريم ، فأطرق إطراقة طويلة مرَّ فيها على كتاب الله كله فلم يعثر على دليل ، ثم أيضا مرَّ على القرآن كله ، ثم مرَّ مرة ثالثة على القرآن كله فالتقطها وأكرمه الله بها قال تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) إذنً دليل مخالفة الإجماع أنه حرام من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) وعقلاً ومنطقاً أيضاً ولا أريد أن أفصل في هذا ، المهم تحرم مخالفة الإجماع ، فكيف يستطيع أن يعرف المرء نفسه إذا أراد أن يجتهد في مسألة ما ، كيف يعرف إذا خالف الإجماع أو لم يخالف الإجماع إذا لم يكن يعرف مواقع الإجماع ، إذا لم يكن يعرف المسائل التي أجمع عليها العلماء رضي الله تعالى عنهم ، ولو فرضنا أنه اجتهد دون أن يعرف ثم بعد ذلك تبين أن اجتهاده مخالف لإجماع العلماء فهذا يسمى خرقاً للإجماع ، وخرقُ الإجماع حرامٌ بالإجماع ، وإما أن يوافق فتكون نتيجة اجتهاده موافقةً لاجتماع العلماء ، فالعلماء يقولون ليس الاعتداد برأيه ولا اجتهاده ولا بالوسيلة التي وصل إليها ، وإنما الاعتداد بالإجماع ، فكان اجتهاده وتعبه هدراً ، أذهَبَ وقته وجهده هدراً ، ولو اطلع على موقع الإجماع لكان اتبعه وسكت ، فإذنً من شروط المجتهد أن يعرف مواقع الإجماع.
هل تذكروا لنا بعض من اعتنى بمواقع الإجماع ؟
أشير هنا إشارة عابرة إلى بعض العلماء الذين اعتنوا بمواقع الإجماع، منهم مثلا: ابن جرير الطبري رضي الله تعالى عنه ، وابن المنذر ، والعبدري ، وابن عبد البر ، كل هؤلاء اعتنوا كثيراً في كتبهم بنقل مواقع الإجماع ، لكن أعظم هؤلاء على الإطلاق بدون منازع الإمام ابن المنذر رضي الله تعالى عنه ، وخاصة في كتابه (الإشراف على مذاهب الأشراف) فابن المنذر رحمه الله له كتاب اسمه (الإجماع) وله كتاب اسمه (الإشراف على مذاهب الأشراف) وهو كتاب كبير وفيه خير كثير ومن جملة ما فيه مواقع الإجماع ، هذا شرط من شروط المجتهد.
سيدي ما هي بقية شروط المجتهد لو سمحتم؟
ومن شروط المجتهد أن يكون متمكناً في علم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يكن متمكناً فإنه لا يمكن أن يسمى مجتهداً مطلقاً، لا يمكن لأن علم مصطلح الحديث هو الذي يدرب صاحبه نقض الأحاديث الواردة ، صحيحها من حسنها من سقيمها من موضوعها إلى آخر ما هنالك ، وفي ذلك علوم غزيرة جداً وخاصة علم علل الأحاديث ، المتمكنون في علل الأحاديث إنما هم قلة من الحفاظ الكبار، وهذا يعرفه المشتغلون بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومَن لم يتمكن في هذا تمكناً كاملاً فلا يكون مجتهداً مطلقاً ، قد يكون مجتهد مذهب مثل الإمام الغزالي، الإمام الغزالي غزير جداً في علمه وفي فقهه وفي لغته، ولكن لأنه لم يكن متمكناً في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى العلماء رضي الله عنهم أن يصنفوه مجتهداً مطلقاً ، إنما هو مجتهد مذهب ، مجتهد أدنى فهو يجتهد ضمن مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه.
معرفة الناسخ والمنسوخ:
ومن جملة شروط المجتهد أيضا معرفة الناسخ والمنسوخ ، يجب أن يعرف المجتهد مواقع النسخ كلها من أولها لآخرها بإتقان ، كل ناسخ وكل منسوخ يجب أن يعرفه وما لم يعرفه يقع في أغلاط كما وقع فيها بعضهم مما سأذكره بعد قليل.
التمكن في اللغة العربية:
أيضا من الشروط الضرورية للمجتهد أن يكون متمكناً في اللغة العربية بكل فنونها ، لأن اللغة العربية هي الحقيقة ، وخاصة النحو فيها هو مفتاح العلوم كلها ، أيُّ علم تريد أن تدخل فيه ما لم تكن متمكناً في النحو فإنك لا تستطيع الدخول في هذا العلم ، ولا تستطيع فهم مستغلقات هذا العلم إلا أن تكون متمكناً في علم النحو والإعراب ، لأن علم النحو والإعراب هو الذي يعرب عن حقيقة المعنى الذي يجتهد عليه في النص ، وأذكر مرة وأكثر من مرة والدي رحمه الله أمرُّ على نص من النصوص أستصعبه جداً ، فأعيده مرة واثنتين وثلاثة وأتأمل فيه تأملاً شديداً وهو مستغلق علي ، فآتي للوالد رحمه الله فيضحك رحمه الله ويقول لي أعرب هذا النص ، كم هذا النص سطران ثلاثة خمسة أعربْه ، سبحان الله لما أُعرب هذا النص أقف عند كلمة يخطر في بالي مثلاً أنها تكون صفة ، وقد تكون حالاً فيختلف المعنى اختلافاً كثيراً فيفُتح الباب وأستطيع فهم هذه المسألة ، بمجرد اختلاف إعراب كلمة من الكلمات أو موقعها ضمن تركيب من التركيبات يختلف المعنى اختلافاً كاملاً ، ويفتح آفاقاً أمام الإنسان الذي يدرس مسائل العلم في مسألة النحو ، فلا طريق للإنسان في طلب العلم أيِّ علم من العلوم إذا أراد أن يدخل يغوص في هذا العلم غوصاً شديداً لا بد له من أداة فعالة وهي علم النحو ، ولكن المجتهد لا يكتفي بعلم النحو ولا يجوز أن يكتفي بعلم النحو ، إنما لا بدَّ له من علم النحو وعلم الصرف وعلم البلاغة من معاني وبيان وبديع ، وعلم متن اللغة ، وعلم التضاد يعني الكلمات التي تحمل معاني متضادة ، هذه كلها علوم لا بد من أن يتمكن فيها الإنسان حتى نستطيع أن نصفه بأنه مجتهد.
وهذه أهم الصفات التي يتفق عليها الأصوليون كلهم على أنها صفات ينبغي أن تقوم بالمجتهد.
الإحاطة بالمرجحات:
وأن يكون أيضاً محيطاً بالمرجحات، فكما قلت لكم جزء كبير من أصول الفقه اسمه المرجحات ، وهو كيف تستطيع أو ما هو السبيل لترجيح نص على نص إذا كان ظاهرهما التعارض ، نصان ظاهرهما التعارض كيف ترجح هذا على هذا ، هناك احتمالات كثيرة جدا عشرة احتمالات عشرون احتمالا ثلاثون أربعون احتمالا بل وصل بعض العلماء القدامى في تعدادها إلى خمسة وخمسين نصَّ على خمسة وخمسين مرجحاً من المرجحات ، ثم جاء بعده من المتأخرين مَن وصل فيها إلى مائة وخمسين مرجحاً ، لا يكون المجتهد مجتهداً إلا أن يقتدر على إتقان هذه المرجحات ، فإذا ظهر له تعارض بين نصين ـ ولا يوجد تعارض في نصوص الشريعة والحمد لله ـ لكن إذا ظهر تعارض بين نصين ، فلا بد أن يعرف هذه المرجحات المائة والخمسين حتى يمرر هذين النصين المتعارضين يمررها على هذه المرجحات كلها ، حتى يعرف أيهما الراجح و أيهما المرجوح ، أيهما يُعمل به و أيهما يُلغى ، ولا يلجأ إلى الإلغاء ، فالإلغاء هو آخر مرحلة يمكن أن يصل إليها المجتهد بعد أن يحاول الجمع بين النصوص ، ومن المتمكنين في هذا الفن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه ، له كتاب اسمه (بيان اختلاف الحديث) مهمة هذا الكتاب من أوله إلى آخره أن يلتقط من هذه النصوص التي ظاهرها التعارض ، ويعلمنا كيف تنظر إلى النصين فتراهما متعارضين ، ثم بعد أن تقرأ بَحْثَ الإمام الشافعي من أوله إلى آخره تقنع أنه ما من تعارض بينهما ، وإنما يكمل أحدهما الآخر وهذا يدل على نقاط معينة ، وهذا يدل على نقاط أخرى ، أو مواقع أخرى غير مواقع الحديث الأول ، وهكذا ، أضرب على ذلك مثلا قول ربنا تبارك وتعالى: ( ولا تبطلوا أعمالكم ) بعض العلماء فهم منه أنه لا يجوز إبطال العمل مهما كان، أي عمل بدأت فيه لا يجوز أن تبطله، متى شرعت فيه وجب عليك إتمامه سواء كان فرضا من الفروض أو سنة من السنن ، الشافعية وكثير من العلماء الآخرين رأيهم أن الفروض إذا شرعت فيها وجب إتمامها ، أما النوافل إذا شرعت فيها فلا يجب إتمامها ، هذا الكلام لا تأخذوه على العموم لأن له استثناءات ، ولكن هذه أصل المسألة ، فالشافعية لا يرضون أن يروا حديثين أو نصين ويبطلوا واحداً منهما إن هذين النصين ما جاءا لنلغي واحداً منهما جاءانا لنعمل بالاثنين ( ولا تبطلوا أعمالكم ) نعم يجب أن لا نبطل أعمالنا ونظروا فرأوا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم ( الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ) بعض العلماء قالوا الصائم نستثنيه الصائم متطوع ، وتبقى الأعمال فرضاً أو نفلاً يجب إتمامها إلا الصوم فلا يجب إتمامه ، لكن الشافعية يصرون على أن هذا الحديث (الصائم المتطوع) إنما يشمل التطوعات كلها، كل النوافل يمكن إذا بدأ بها الإنسان أن لا يتمها لكن يسن له إتمامها ، وحجتهم في ذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الصائم المتطوع ) هذه الكلمة (المتطوع) ما هو اشتقاقها ؟ باللغة العربية اسم فاعل متطوع من فعل تطوع ، اسم الفاعل مشتق ، و عندهم قاعدة -لا أتوسع- لكن عندهم قاعدة عندهم أدلتهم عليها تقول: ( تعليق الحكم بمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق ) تعليق الحكم، والحكم هنا هو (إن شاء صام وإن شاء أفطر) تعليق هذا الحكم بلفظ مشتق من المشتقات ، اسم الفاعل من المشتقات علقناه بهذا المشتق الذي هو المتطوع ، اسم فاعل هذا التعليق يؤذن يعني يعلمنا ، يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق ، يعني ذلك أن أصل هذا المشتق هو العلة ، إذنً التطوع في هذا الحديث علة إباحة الفطر أو إتمام الصيام للصائم المتطوع علة ذلك أنه متطوع ، علة ذلك التطوع ، وهذه العلة موجودة في الصلاة أيضاً ، إذا أراد أن يصلي ركعتين لوجه الله هو متطوع ، علة التطوع موجودة فيها ، فيقيسون هذا على ذاك ، يقيسون كل السنن على قوله صلى الله عليه وسلم ( الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ) ولا يستثنى من ذلك إلا الحج والعمرة إذا بدأ فيهما وجب إتمامها نفلا كانا أو فرضا ، إذن أصبح عندنا نصان قد أعملناهما ولم نلغ واحداً منهما ( ولا تبطلوا أعمالكم ) إذن هي للفروض ( الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ) وهي للنوافل ، هذه طريقة للجمع لا للترجيح ، يعني لم يحوج الشافعية أنفسهم إلى الترجيح ، قبل أن يصلوا إلى الترجيح أعملوا النصين وهذه براعة شديدة من المجتهد أن لا يصل إلى درجة يرجح فيها نصاً على نص ، لا يرجح بل يجمع بينهما ، و طريقة الجمع هذه من المتخصصين الكبار فيها الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه ، أنه لا يلغي نصاً ولا يسقط نصاً من النصوص وأنه يحاول الجمع بين النصوص ، هذا كما قلت مجمل شروط المجتهد المطلق .