السلام عليکم ورحمة الله وبرکاته
الحمد لله وحده والصلوة والسلام علي من لا نبي بعده
امابعد
ان لغة العرب أتوقيف، أم اصطلاح أقول: إِن لغة العرب توقيف. ودليل ذَلِكَ قوله جلّ
ثناؤه: "وعلَّم أدمَ الأسماء كلَّها" فكان ابن عبّاس يقول: علّمه الأسماء
كلّها وهي هَذِهِ الَّتِي يتعارَفُها الناس من دابة وأرض وسهل وجبل وحمار
وأشباه ذَلِكَ من الأمم وغيرها. وروى خُصَيْف عن مُجاهد قال: علمه اسم كلّ
شيء. وقال غيرهما: إنما علَّمه أسماء الملائكة. وقال آخرون: علّمه ذرّيته
أجمعين. والذي نذهب إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا ذكرناه عن ابن عباس. فإن قال
قائل: لَوْ كَانَ ذَلِكَ كما تذهب إِلَيْهِ لقال: "ثُمَّ عرضهن أَوْ
عرضها" فلما قال "عرضهم" عُلم أن ذَلِكَ لأعيان بني آدمَ أَوْ الملائكة،
لأن موضوع الكناية فِي كلام العرب يُقال لما يَعقِل "عرضهم" ولما لا يعقل
"عرضها أَوْ عرضهن" - قيل لَهُ: إنما قال ذَلِكَ والله أعلم لأنه جَمع مَا
يَعقل وَمَا لا يعقل فغلَّب مَا يعقل، وهي سنّة من سنن العرب، أعني باب
التغليب. وذلك كقوله جل ثناؤه: "والله خَلق كل دابة من ماء: فمنهم من يمشي
عَلَى بطنه، ومنهم مَن يمشي عَلَى رجليْن، ومنهم مَنْ يمشي عَلَى أربع"
فقال: "منهم" تغليباً لمن يمشي عَلَى رجلين وهم بنو آدم. فإن قال:
أفتقولون فِي قولنا سيف وحُسام وعَضب إِلَى غير ذَلِكَ من أوصافه أنه
توقيف حَتَّى لا يكون شيء منه مُصْطَلَحاً عَلَيْهِ? قيل لَهُ: كذلك نقول:
"والدليل عَلَى صِحَّة مَا نذهب إِلَيْهِ إجماعُ العلماء عَلَى احتجاج
بلغة القوم فيما يختلفون فِيهِ أَوْ يتفقون عَلَيْهِ، ثُمَّ احتجاجهم
بأشعارهم، ولو كَانَتْ اللغة مُواضَعَةً واصطلاحاً لَمْ يكن أولئك فِي
الاحتجاج بهم بأولى منا فِي الاحتجاج لَوْ اصطلحنا عَلَى لغة اليوم ولا
فرق. ولعلَّ ظاناً أن اللغة الَّتِي دلَلنا عَلَى أنها توقيف إنما جاءت
جملة واحدة وَفِي زمان واحد. وَلَيْسَ الأمر كذلك، بل وقّف الله جلَّ
وعزَّ آدمَ عليه السلام عَلَى مَا شاء أن يعلمه إياه مما احتاج إِلَى علمه
فِي زمانه، وانتشر من ذَلِكَ مَا شاء الله، ثُمَّ علَّم بعد آدم عليه
السلام من عرَب الأنبياء صلوات الله عليهم نبياً نبياً مَا شاء أن يعلمه،
حَتَّى انتهى الأمر إِلَى نبيّنا محمد صلى الله تعالى عَلَيْهِ وآله وسلم،
فآتاه الله جلَّ وعزَّ من ذَلِكَ مَا لَمْ يؤته أحداً قبله، تماماً عَلَى
مَا أحسنَه من اللغة المتقدمة. ثُمَّ قر الأمر قراره فلا نعلم لغة من بعده
حدثت. فإن تعمَّل اليوم لذلك متعمِّل وجد من نُقَّاد العلم من ينفيه
ويُرده. ولقد بلغنا عن أبي الأسود أن أمراً كلمه ببعض مَا أنكره أبو
الأسود فسأله أبو الأسود عنه فقال: "هَذِهِ لغو لَمْ تبلغك" فقال لَهُ:
"يَا ابن أخي لا خير لَكَ فيما لَمْ يبلغني" فعرَّفه بلطف أن الذي تكلم
بِهِ مختلَق. وخلَّةٌ أخرى أنه لَمْ يبلغنا أن قوماً من العرب فِي زمانٍ
يُقارب زمانَه أجمعوا عَلَى تسمية شيء من الأشياء مصطلِحِين عَلَيْهِ،
فكنا نَستدِل بذلك عَلَى اصطلاح كَانَ قبلهم. وقد كَانَ فِي الصحابة رضي
الله تعالى عنهم - وهم البُلغاء والفُصحاء - النظر فِي العلوم الشريفة مَا
لا خفاء بِهِ. وَمَا علِمناهم اصطلحوا عَلَى اختراع لغةٍ أَوْ إحداث لفظةٍ
لَمْ تتقدمهم. ومعلوم أن حوادث العالم لا تنقضي إِلاَّ بانقضائه ولا تزول
إِلاَّ بزواله، وَفِي ذَلِكَ دليل عَلَى صِحة مَا ذهبنا إِلَيْهِ من هَذَا
الباب.
الحمد لله وحده والصلوة والسلام علي من لا نبي بعده
امابعد
ان لغة العرب أتوقيف، أم اصطلاح أقول: إِن لغة العرب توقيف. ودليل ذَلِكَ قوله جلّ
ثناؤه: "وعلَّم أدمَ الأسماء كلَّها" فكان ابن عبّاس يقول: علّمه الأسماء
كلّها وهي هَذِهِ الَّتِي يتعارَفُها الناس من دابة وأرض وسهل وجبل وحمار
وأشباه ذَلِكَ من الأمم وغيرها. وروى خُصَيْف عن مُجاهد قال: علمه اسم كلّ
شيء. وقال غيرهما: إنما علَّمه أسماء الملائكة. وقال آخرون: علّمه ذرّيته
أجمعين. والذي نذهب إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا ذكرناه عن ابن عباس. فإن قال
قائل: لَوْ كَانَ ذَلِكَ كما تذهب إِلَيْهِ لقال: "ثُمَّ عرضهن أَوْ
عرضها" فلما قال "عرضهم" عُلم أن ذَلِكَ لأعيان بني آدمَ أَوْ الملائكة،
لأن موضوع الكناية فِي كلام العرب يُقال لما يَعقِل "عرضهم" ولما لا يعقل
"عرضها أَوْ عرضهن" - قيل لَهُ: إنما قال ذَلِكَ والله أعلم لأنه جَمع مَا
يَعقل وَمَا لا يعقل فغلَّب مَا يعقل، وهي سنّة من سنن العرب، أعني باب
التغليب. وذلك كقوله جل ثناؤه: "والله خَلق كل دابة من ماء: فمنهم من يمشي
عَلَى بطنه، ومنهم مَن يمشي عَلَى رجليْن، ومنهم مَنْ يمشي عَلَى أربع"
فقال: "منهم" تغليباً لمن يمشي عَلَى رجلين وهم بنو آدم. فإن قال:
أفتقولون فِي قولنا سيف وحُسام وعَضب إِلَى غير ذَلِكَ من أوصافه أنه
توقيف حَتَّى لا يكون شيء منه مُصْطَلَحاً عَلَيْهِ? قيل لَهُ: كذلك نقول:
"والدليل عَلَى صِحَّة مَا نذهب إِلَيْهِ إجماعُ العلماء عَلَى احتجاج
بلغة القوم فيما يختلفون فِيهِ أَوْ يتفقون عَلَيْهِ، ثُمَّ احتجاجهم
بأشعارهم، ولو كَانَتْ اللغة مُواضَعَةً واصطلاحاً لَمْ يكن أولئك فِي
الاحتجاج بهم بأولى منا فِي الاحتجاج لَوْ اصطلحنا عَلَى لغة اليوم ولا
فرق. ولعلَّ ظاناً أن اللغة الَّتِي دلَلنا عَلَى أنها توقيف إنما جاءت
جملة واحدة وَفِي زمان واحد. وَلَيْسَ الأمر كذلك، بل وقّف الله جلَّ
وعزَّ آدمَ عليه السلام عَلَى مَا شاء أن يعلمه إياه مما احتاج إِلَى علمه
فِي زمانه، وانتشر من ذَلِكَ مَا شاء الله، ثُمَّ علَّم بعد آدم عليه
السلام من عرَب الأنبياء صلوات الله عليهم نبياً نبياً مَا شاء أن يعلمه،
حَتَّى انتهى الأمر إِلَى نبيّنا محمد صلى الله تعالى عَلَيْهِ وآله وسلم،
فآتاه الله جلَّ وعزَّ من ذَلِكَ مَا لَمْ يؤته أحداً قبله، تماماً عَلَى
مَا أحسنَه من اللغة المتقدمة. ثُمَّ قر الأمر قراره فلا نعلم لغة من بعده
حدثت. فإن تعمَّل اليوم لذلك متعمِّل وجد من نُقَّاد العلم من ينفيه
ويُرده. ولقد بلغنا عن أبي الأسود أن أمراً كلمه ببعض مَا أنكره أبو
الأسود فسأله أبو الأسود عنه فقال: "هَذِهِ لغو لَمْ تبلغك" فقال لَهُ:
"يَا ابن أخي لا خير لَكَ فيما لَمْ يبلغني" فعرَّفه بلطف أن الذي تكلم
بِهِ مختلَق. وخلَّةٌ أخرى أنه لَمْ يبلغنا أن قوماً من العرب فِي زمانٍ
يُقارب زمانَه أجمعوا عَلَى تسمية شيء من الأشياء مصطلِحِين عَلَيْهِ،
فكنا نَستدِل بذلك عَلَى اصطلاح كَانَ قبلهم. وقد كَانَ فِي الصحابة رضي
الله تعالى عنهم - وهم البُلغاء والفُصحاء - النظر فِي العلوم الشريفة مَا
لا خفاء بِهِ. وَمَا علِمناهم اصطلحوا عَلَى اختراع لغةٍ أَوْ إحداث لفظةٍ
لَمْ تتقدمهم. ومعلوم أن حوادث العالم لا تنقضي إِلاَّ بانقضائه ولا تزول
إِلاَّ بزواله، وَفِي ذَلِكَ دليل عَلَى صِحة مَا ذهبنا إِلَيْهِ من هَذَا
الباب.