إن الشعب الأفغاني - والحمد لله رب العالمين- التفّ حول قائدهم العظيم وأميرهم الباسل، وجمع الله به شملهم، ووحد بفضله كلمتهم على الجهاد في سبيله ضد العدوان الأمريكي السافر والاحتلال الصليبي الغاشم، فالمؤمنون في شمال البلاد يطاردون المحتلين ويدحرون عملائهم مثل المواطنين في الجنوب، وغرب البلاد وشرقها على منوال واحد في الذب عن بيضة الإسلام والدفاع عن النواميس، والتاجيك والأزبك علوا المعتدين بسيوفهم في أرض الشمال، والبلوش في الغرب والنورستاني في الشرق كسروا عظام جيش الناتو، والباشتون والشعوب الأخرى من الأفغان لقنوا القوات المعتدية درسا لا ينسى عبرةً لمن خلفهم من المعتدين في الأجيال القادمة، فالمؤمنون في شرق البلاد وشمالها وغربها وجنوبها ووسطها يتسابقون في القيام بفريضة الجهاد المقدس، ويتنافسون في إطاعة أميرهم المقدام الملا محمد عمر (مجاهد) نصره الله تعالى على أعدائه نصرا مؤزرا.
فإخواننا المجاهدون من جميع الشعوب والقبائل الأفغانية وفي جميع أقطار بلادنا الحبيبة رغم انحدارهم من أصول متعددة ساهموا في الجهاد ضد الصليب سهما بارزا تحت قيادة إمارة أفغانستان الإسلامية وبتوجيه مباشر من القائد الأعلى الأمير الموفق حفظه الله تعالى وبما يستطيعون من القوة، وقد فاز إخواننا في الشمال والغرب - من مختلف الشعوب والقبائل ومن ناطقي اللغات المختلفة- بمناصب جهادية رفيعة، حتى استشهد كثير من رجالهم، وأسر آخرون، وكثير منهم أصيبوا بجروح في أجسادهم، وأبلاهم الله بلاء حسنا، {فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (الأحزاب-23).
وخير شاهد على ذلك هو اعتراف العدو المشترك بأن الأوضاع في الشمال قاسية، وتزداد اضطرابا، وفي تدهور مستمر، حتى يتحدثون يوميا كعادتهم عن بدء العمليات في الشمال، ويهذون ليلا ونهارا بالرجوع إلى الشمال لو قضوا -لا سمح الله- على المجاهدين في الجنوب، كما يشهد على ما قلنا اندلاع المعارك الدامية والحروب الطاحنة في جميع أقطار الشمال بدءً من ولايات: بدخشان، وتخار، وقندز، ومرورا بولايات: سمنجان، وبلخ، وجوزجان، وسربل، وانتهاءً بمناطق بالا مرغاب، وبادغيس، وهرات، والشاهد الثالث هو استشهاد كبار رجال حركة الطالبان الإسلامية من قاطني الشمال والغرب من إخواننا الأزبك والتاجيك والبلوش وغيرهم.
وهذه ثلاثة شهود عدول صدقة لإثبات ما ادعينا من أن حركة الجهاد الإسلامي تشمل شمال البلاد وغربها على غرار شمولها جنوب البلاد وشرقها، فلا صدق في دعوى الاحتلال الصليبي الغاشم المكار بأن حركة الجهاد - أو التمرد على حد قولهم- لا وجود لها إلا في مناطق قليلة من الجنوب والشرق، وأما الشمال والغرب بالكامل وأكثر مناطق الجنوب والشرق كانت آمنة ومستقرة إلى الأمس القريب - على حد تعبيراتهم المعوجّة-، كما لا أساس لدعواهم بأن النشاطات الجهادية الأخيرة في الشمال يقوم بها بعض الحركات الجهادية الخارجية التي لجأت إلى المنطقة إثر هجمات العدو الصليبي عليهم في الدول المجاورة، وهذه الكلمات اليائسة لا حقيقة لها، بل هي أكاذيب وأراجيف يختلقونها لإخفاء عجزهم وإلقاء الستار على فشلهم الذريع أمام الجهاد المقدس.
فالشعب الأفغاني كما يعلم الجميع عبارة عن مجمــوعة من الشعوب والقبائل والعشائر، يتكلمون بلغات مختلفة ولهجات عديدة، وإنه رغم ذلك شعب مؤمن أبي منيع، طلاّع الثنايا، وساعٍ لمعالي الأمور، يجمعهم نظام اجتماعي واحد، ويعيشون في كنف الشريعة الإسلامية الغراء، ويشد بعضهم بعضا كأنهم بنيان مرصوص، ويوحدهم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ... ، ويجمع شملهم الأخوة الإسلامية، ويسعون في إصلاح ذات البين وتأليف القلوب، ولا يستمعون إلى سعاية الوشاة، ولا إلى أراجيف الأعداء المحتلين الكذبة، بل يتحاكمون في حل القضايا العويصة إلى الكتاب والسنة ممتثلين لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء-59).
نعم إن الشعب الأفغاني مؤلف من هذه الشعوب المتعددة: 1- الباشتون (البتان)، 2- التاجيك، 3- الهزاره، 4- الأزبك، 5- البلوش، 6- التركمن، 7- النورستاني، 8- البشئي، 9- القرغيز، 10- العرب؛ وكل واحد من هذه الشعوب يتشعب إلى قبائل شتى وعشائر كثيرة، ويتكلمون باللغات المحلية التالية بملاحظة الترتيب السابق: 1- اللغة الباشتوية، 2- اللغة الدرية، وهي قريبة إلى اللغة الفارسية، 3- الهزارجية، وهي قريبة إلى اللغة الدرية، 4- الأزبكية، 5- البلوشية، 6- التركمنية، 7- النورستانية، 8- البشئية، 9- القرغيزية.
أما العرب فيتكلمون بلغات محلية متعددة، لأنهم من ذرية المجاهدين العرب الذين جاءوا بنور الإسلام لنا ولكل المنطقة، فجاهدوا الذين جحدوا النور وعاندوا الحق، وعلّموا من دخلوا في الإسلام دينَ الله الخالد وشريعةَ الله السمحة، فمن عاش من ذريتهم مع الباشتون يتكلمون بلغتهم، ومن عاش منهم مع التاجيك يتكلمون بلغتهم، وهكذا اندمج هؤلاء السادة في الشعب الأفغاني في زيهم وخلقهم ولهجتهم، وهم مصدر خير كثير للأفغان إلى اليوم، لكن لا يستطيع أحد أن يميزهم عنهم إلا إذا سمى نفسه قائلا: أنا هاشمي، أو سيد، أو مير، أو شاه، أو ميا، أو خواجه، أو حضرت، أو عرب، أو غير ذلك من الأسماء الدالة على معرفتهم في العرف الأفغاني.
وقد أطمعَ العدوَ الإنجليزي والدهريَّ الشيــــــوعي بالأمس الدابر كما غرّ العدوَّ الأمريكي الصليبي اليوم تشعُّبُ الشــــعبِ
الأفغاني من أعراق مختلفة وجذور متعددة، وحسبوه ثُغرة تسهل عليهم احتلال بلادهم، وظنوه فرجة لإيقاد نار الفتنة بينهم، واغترّوا بأن مكرهم الكبير ومراوغتهم الثعلبية كفيلة بإيجاد التنافر بينهم، وإيقاع خصومة تؤدي إلى الفتن الداخلية، وتفضي إلى القتال والتناحر بين القبائل مختلفة الأعراق، وبين الشعوب متعددة اللغات، ومن ثم يسهل عليهم الاستيلاء على بلاد الأفغان، فيستسيغون منافعها وذخائرها دون الغصص في حلوقهم، بل فوق ذلك سوف يستطاب لهم الحكم على هذه البلاد لأمد بعيد حسب ظنهم الفاسد ورأيهم الخرف: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (يونس-36).
نعم إن أعدائنا الكفرة - لغبائهم المفرط- نصبوا أنفسهم وأتعبوا شعوبهم في تيه ظنونهم الواهية، وأهوائهم الحيوانية، ورغباتهم الشيطانية، ولم يعلموا أن الشعب الأفغاني شعب مسلم يؤمن بالله عز وجل، ويخضع لأوامره، ويرضى بأحكامه، ويعيش في ظلال القرآن والسنة، فلا يستمع للنعرات القومية التي يرفعها المحتلون على منابرهم، ولا للصيحات الطائفية التي يذيعها الصليبيون ليلا ونهارا عن طريق عملائهم، بل يقدم الأخوة الإيمانية على الأخوة النسبية، ويرجح الروابط الدينية على العصبيات الجاهلية، ويقول: سمعا وطاعة لآيات الذكر الحكيم، ويقول: نعم للحق الإيماني، ولا للباطل القومي امتثالاً وعملا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات-13).
وقد أثبت التاريخُ في القديم والحديث شدةَ تماسك الشعب الأفغاني وقوةَ تمسكهم بالدين، واعتصامِهم بالكتاب والسنة، وأنهم عاشوا - رغم اختلاف ألسنتهم وألوانهم وجذورهم- إخوة أشقاء على مر السنين والقرون، وقاموا بينهم برعاية الحقوق الواجبة عليهم، وأجمعوا على الشريعة الإسلامية الغراء نظاما لحياتهم، واتفقوا على الفقه الإسلامي مرجعا لفصل خصوماتهم، ورضوا بالتحاكم إلى الله ورسوله في حل نزاعاتهم، حتى عجز الاحتلال في كل عصر عن اختراق لباس الوحدة عليهم وخلعه عنهم، ولم يستطع المستعمر الأجنبي بمكره - ولن يستطيع إن شاء الله- فصلَ الخيط المُوَصَّل بين القبائل الأفغانية: {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} (إبراهيم-46).
فالعدو الإنجليزي سعى في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في تفريق الأفغان، وتمزقهم إلى أشلاء، وبذل جهودا مكثفة في جعلهم شيعا يقتل بعضهم بعضا ليتسنى لهم احتلال البلاد، فلم ينجحوا في تنفيذ مخططاتهم العريضة، بل رسبوا في استراتيجياتهم المتكررة، وانقلبت مؤامراتهم ودسائسهم عليهم، وبدأ انهيار إمبراطوريتهم العظمى - على حد تعبيرهم- من هنا من أرض أفغانستان من ضربات جنود الإيمان، فتقهقروا إلى ما وراء البحار أذلة منهزمين. {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الجمعة-4).
والزحف الأحمر اعتدى بقيادة الشيوعيين على الشعب الأعزل في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين طمعا في الوصول إلى بحر الهند والماء الحار، فبذلوا جهودا حثيثة في زرع بذور النفاق والشقاق في أرضنا، ولم يألوا جهدا في شقاوة الأفغان، فجعلوا يوزعون أسلحتهم الفتاكة بين القبائل الأفغانية، وأوقدوا نيران الفتن بين العشائر والجيران، وظهر في بدء الأمر وأول الوهلة أنهم نجحوا في المؤامرة إلى حدٍ مّا، لكن الله تبارك وتعالى تدارك الشعب الأفغاني بنعمته وفضله الكبير، وهداهم إلى الوحدة، ففشلت الأعداء وأخفقت في مؤامراتهم، وخرجوا من بلادنا ناكسي رؤوسهم ترهق وجوههم الذلة، فتلاشت إمبراطوريتهم، وتفرقت إلى جمهوريات متناحرة.
وكذلك العدو الصليبي بقيادة أشقاهم دخلوا بلادنا الحبيبة قبل تسع سنوات، وأنفقوا أموالا كثيرة في سبيل تمزيق الشعب، وتقسيمه إلى الشماليين والجنوبيين، والباشتون والتاجيك والهزارة والأزبك وغير ذلك، لكن المسلمين فطنوا للدسيسة، وتنبهوا للمكيدة قبل وقوعها، فانهزم جيشهم الجرار المدجج بالأسلحة المتطورة، وانهارت قوة الناتو ذات أكبر ترسانة عسكرية، ولم ينالوا ما أرادوا للشعب الأبي من وقوع الشحناء والتناحر والتقاتل بين القبائل المؤمنة، بل جمع الله قلوبهم على قيادة أمير المؤمنين وفقه الله لما يحبه ويرضاه، وقاموا جميعا لأداء واجب الجهاد المقدس خير قيام، وأبلاهم الله بلاء حسنا، فجزى الله المجاهدين عنا خيرا.
الكلمة الأخيرة
خلاصة القول أن حرب أفغانستان تغيرت من حرب العصابات إلى النفير العام، وأن الجهاد المقدس قام به الشعب بأكمله دون استثناء قبيلة من القبائل أو قطر من أقطار البلاد، وأن القبائل والحمد لله تألّفت أكثر من ذي قبل، وهذا هو السبب في رضوخ المعتدين للمصالحة، وندائهم للمجاهدين بالاشتراك في شؤون البلاد، رغم شراسة نفوسهم، وشدة عداوتهم للمسلمين فضلا عن المجاهدين.
ولا يرد النقض بالعملاء المنافقين والأحابيش المرتزقة، فإن المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أشد كفرا ونفاقا وخبثا من المنافقين في عصرنا، وإنهم رغم شراسة خلقهم ما استطاعوا أن يكدّروا صفوة خير القرون، ولم يتمكنوا من إيراد خلل في مسيرة أصحابه الكرام البررة رضي الله عنهم، فقد شاء الله تبارك وتعالى أن المنافق في كل عصر لا يضر إلا نفسه وسادته، وأنه كَلٌّ على مولاه أينما يوجه لا يأتي بخير، وقد أثبت تاريخ الأمم الماضية أن أكثر العملاء الخائنين قتلوا بيد سادتهم الأجانب أو سجنوا وهانوا من قبلهم. {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (الشعراء-
فإخواننا المجاهدون من جميع الشعوب والقبائل الأفغانية وفي جميع أقطار بلادنا الحبيبة رغم انحدارهم من أصول متعددة ساهموا في الجهاد ضد الصليب سهما بارزا تحت قيادة إمارة أفغانستان الإسلامية وبتوجيه مباشر من القائد الأعلى الأمير الموفق حفظه الله تعالى وبما يستطيعون من القوة، وقد فاز إخواننا في الشمال والغرب - من مختلف الشعوب والقبائل ومن ناطقي اللغات المختلفة- بمناصب جهادية رفيعة، حتى استشهد كثير من رجالهم، وأسر آخرون، وكثير منهم أصيبوا بجروح في أجسادهم، وأبلاهم الله بلاء حسنا، {فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (الأحزاب-23).
وخير شاهد على ذلك هو اعتراف العدو المشترك بأن الأوضاع في الشمال قاسية، وتزداد اضطرابا، وفي تدهور مستمر، حتى يتحدثون يوميا كعادتهم عن بدء العمليات في الشمال، ويهذون ليلا ونهارا بالرجوع إلى الشمال لو قضوا -لا سمح الله- على المجاهدين في الجنوب، كما يشهد على ما قلنا اندلاع المعارك الدامية والحروب الطاحنة في جميع أقطار الشمال بدءً من ولايات: بدخشان، وتخار، وقندز، ومرورا بولايات: سمنجان، وبلخ، وجوزجان، وسربل، وانتهاءً بمناطق بالا مرغاب، وبادغيس، وهرات، والشاهد الثالث هو استشهاد كبار رجال حركة الطالبان الإسلامية من قاطني الشمال والغرب من إخواننا الأزبك والتاجيك والبلوش وغيرهم.
وهذه ثلاثة شهود عدول صدقة لإثبات ما ادعينا من أن حركة الجهاد الإسلامي تشمل شمال البلاد وغربها على غرار شمولها جنوب البلاد وشرقها، فلا صدق في دعوى الاحتلال الصليبي الغاشم المكار بأن حركة الجهاد - أو التمرد على حد قولهم- لا وجود لها إلا في مناطق قليلة من الجنوب والشرق، وأما الشمال والغرب بالكامل وأكثر مناطق الجنوب والشرق كانت آمنة ومستقرة إلى الأمس القريب - على حد تعبيراتهم المعوجّة-، كما لا أساس لدعواهم بأن النشاطات الجهادية الأخيرة في الشمال يقوم بها بعض الحركات الجهادية الخارجية التي لجأت إلى المنطقة إثر هجمات العدو الصليبي عليهم في الدول المجاورة، وهذه الكلمات اليائسة لا حقيقة لها، بل هي أكاذيب وأراجيف يختلقونها لإخفاء عجزهم وإلقاء الستار على فشلهم الذريع أمام الجهاد المقدس.
فالشعب الأفغاني كما يعلم الجميع عبارة عن مجمــوعة من الشعوب والقبائل والعشائر، يتكلمون بلغات مختلفة ولهجات عديدة، وإنه رغم ذلك شعب مؤمن أبي منيع، طلاّع الثنايا، وساعٍ لمعالي الأمور، يجمعهم نظام اجتماعي واحد، ويعيشون في كنف الشريعة الإسلامية الغراء، ويشد بعضهم بعضا كأنهم بنيان مرصوص، ويوحدهم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ... ، ويجمع شملهم الأخوة الإسلامية، ويسعون في إصلاح ذات البين وتأليف القلوب، ولا يستمعون إلى سعاية الوشاة، ولا إلى أراجيف الأعداء المحتلين الكذبة، بل يتحاكمون في حل القضايا العويصة إلى الكتاب والسنة ممتثلين لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء-59).
نعم إن الشعب الأفغاني مؤلف من هذه الشعوب المتعددة: 1- الباشتون (البتان)، 2- التاجيك، 3- الهزاره، 4- الأزبك، 5- البلوش، 6- التركمن، 7- النورستاني، 8- البشئي، 9- القرغيز، 10- العرب؛ وكل واحد من هذه الشعوب يتشعب إلى قبائل شتى وعشائر كثيرة، ويتكلمون باللغات المحلية التالية بملاحظة الترتيب السابق: 1- اللغة الباشتوية، 2- اللغة الدرية، وهي قريبة إلى اللغة الفارسية، 3- الهزارجية، وهي قريبة إلى اللغة الدرية، 4- الأزبكية، 5- البلوشية، 6- التركمنية، 7- النورستانية، 8- البشئية، 9- القرغيزية.
أما العرب فيتكلمون بلغات محلية متعددة، لأنهم من ذرية المجاهدين العرب الذين جاءوا بنور الإسلام لنا ولكل المنطقة، فجاهدوا الذين جحدوا النور وعاندوا الحق، وعلّموا من دخلوا في الإسلام دينَ الله الخالد وشريعةَ الله السمحة، فمن عاش من ذريتهم مع الباشتون يتكلمون بلغتهم، ومن عاش منهم مع التاجيك يتكلمون بلغتهم، وهكذا اندمج هؤلاء السادة في الشعب الأفغاني في زيهم وخلقهم ولهجتهم، وهم مصدر خير كثير للأفغان إلى اليوم، لكن لا يستطيع أحد أن يميزهم عنهم إلا إذا سمى نفسه قائلا: أنا هاشمي، أو سيد، أو مير، أو شاه، أو ميا، أو خواجه، أو حضرت، أو عرب، أو غير ذلك من الأسماء الدالة على معرفتهم في العرف الأفغاني.
وقد أطمعَ العدوَ الإنجليزي والدهريَّ الشيــــــوعي بالأمس الدابر كما غرّ العدوَّ الأمريكي الصليبي اليوم تشعُّبُ الشــــعبِ
الأفغاني من أعراق مختلفة وجذور متعددة، وحسبوه ثُغرة تسهل عليهم احتلال بلادهم، وظنوه فرجة لإيقاد نار الفتنة بينهم، واغترّوا بأن مكرهم الكبير ومراوغتهم الثعلبية كفيلة بإيجاد التنافر بينهم، وإيقاع خصومة تؤدي إلى الفتن الداخلية، وتفضي إلى القتال والتناحر بين القبائل مختلفة الأعراق، وبين الشعوب متعددة اللغات، ومن ثم يسهل عليهم الاستيلاء على بلاد الأفغان، فيستسيغون منافعها وذخائرها دون الغصص في حلوقهم، بل فوق ذلك سوف يستطاب لهم الحكم على هذه البلاد لأمد بعيد حسب ظنهم الفاسد ورأيهم الخرف: {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (يونس-36).
نعم إن أعدائنا الكفرة - لغبائهم المفرط- نصبوا أنفسهم وأتعبوا شعوبهم في تيه ظنونهم الواهية، وأهوائهم الحيوانية، ورغباتهم الشيطانية، ولم يعلموا أن الشعب الأفغاني شعب مسلم يؤمن بالله عز وجل، ويخضع لأوامره، ويرضى بأحكامه، ويعيش في ظلال القرآن والسنة، فلا يستمع للنعرات القومية التي يرفعها المحتلون على منابرهم، ولا للصيحات الطائفية التي يذيعها الصليبيون ليلا ونهارا عن طريق عملائهم، بل يقدم الأخوة الإيمانية على الأخوة النسبية، ويرجح الروابط الدينية على العصبيات الجاهلية، ويقول: سمعا وطاعة لآيات الذكر الحكيم، ويقول: نعم للحق الإيماني، ولا للباطل القومي امتثالاً وعملا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات-13).
وقد أثبت التاريخُ في القديم والحديث شدةَ تماسك الشعب الأفغاني وقوةَ تمسكهم بالدين، واعتصامِهم بالكتاب والسنة، وأنهم عاشوا - رغم اختلاف ألسنتهم وألوانهم وجذورهم- إخوة أشقاء على مر السنين والقرون، وقاموا بينهم برعاية الحقوق الواجبة عليهم، وأجمعوا على الشريعة الإسلامية الغراء نظاما لحياتهم، واتفقوا على الفقه الإسلامي مرجعا لفصل خصوماتهم، ورضوا بالتحاكم إلى الله ورسوله في حل نزاعاتهم، حتى عجز الاحتلال في كل عصر عن اختراق لباس الوحدة عليهم وخلعه عنهم، ولم يستطع المستعمر الأجنبي بمكره - ولن يستطيع إن شاء الله- فصلَ الخيط المُوَصَّل بين القبائل الأفغانية: {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} (إبراهيم-46).
فالعدو الإنجليزي سعى في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين في تفريق الأفغان، وتمزقهم إلى أشلاء، وبذل جهودا مكثفة في جعلهم شيعا يقتل بعضهم بعضا ليتسنى لهم احتلال البلاد، فلم ينجحوا في تنفيذ مخططاتهم العريضة، بل رسبوا في استراتيجياتهم المتكررة، وانقلبت مؤامراتهم ودسائسهم عليهم، وبدأ انهيار إمبراطوريتهم العظمى - على حد تعبيرهم- من هنا من أرض أفغانستان من ضربات جنود الإيمان، فتقهقروا إلى ما وراء البحار أذلة منهزمين. {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الجمعة-4).
والزحف الأحمر اعتدى بقيادة الشيوعيين على الشعب الأعزل في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين طمعا في الوصول إلى بحر الهند والماء الحار، فبذلوا جهودا حثيثة في زرع بذور النفاق والشقاق في أرضنا، ولم يألوا جهدا في شقاوة الأفغان، فجعلوا يوزعون أسلحتهم الفتاكة بين القبائل الأفغانية، وأوقدوا نيران الفتن بين العشائر والجيران، وظهر في بدء الأمر وأول الوهلة أنهم نجحوا في المؤامرة إلى حدٍ مّا، لكن الله تبارك وتعالى تدارك الشعب الأفغاني بنعمته وفضله الكبير، وهداهم إلى الوحدة، ففشلت الأعداء وأخفقت في مؤامراتهم، وخرجوا من بلادنا ناكسي رؤوسهم ترهق وجوههم الذلة، فتلاشت إمبراطوريتهم، وتفرقت إلى جمهوريات متناحرة.
وكذلك العدو الصليبي بقيادة أشقاهم دخلوا بلادنا الحبيبة قبل تسع سنوات، وأنفقوا أموالا كثيرة في سبيل تمزيق الشعب، وتقسيمه إلى الشماليين والجنوبيين، والباشتون والتاجيك والهزارة والأزبك وغير ذلك، لكن المسلمين فطنوا للدسيسة، وتنبهوا للمكيدة قبل وقوعها، فانهزم جيشهم الجرار المدجج بالأسلحة المتطورة، وانهارت قوة الناتو ذات أكبر ترسانة عسكرية، ولم ينالوا ما أرادوا للشعب الأبي من وقوع الشحناء والتناحر والتقاتل بين القبائل المؤمنة، بل جمع الله قلوبهم على قيادة أمير المؤمنين وفقه الله لما يحبه ويرضاه، وقاموا جميعا لأداء واجب الجهاد المقدس خير قيام، وأبلاهم الله بلاء حسنا، فجزى الله المجاهدين عنا خيرا.
الكلمة الأخيرة
خلاصة القول أن حرب أفغانستان تغيرت من حرب العصابات إلى النفير العام، وأن الجهاد المقدس قام به الشعب بأكمله دون استثناء قبيلة من القبائل أو قطر من أقطار البلاد، وأن القبائل والحمد لله تألّفت أكثر من ذي قبل، وهذا هو السبب في رضوخ المعتدين للمصالحة، وندائهم للمجاهدين بالاشتراك في شؤون البلاد، رغم شراسة نفوسهم، وشدة عداوتهم للمسلمين فضلا عن المجاهدين.
ولا يرد النقض بالعملاء المنافقين والأحابيش المرتزقة، فإن المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أشد كفرا ونفاقا وخبثا من المنافقين في عصرنا، وإنهم رغم شراسة خلقهم ما استطاعوا أن يكدّروا صفوة خير القرون، ولم يتمكنوا من إيراد خلل في مسيرة أصحابه الكرام البررة رضي الله عنهم، فقد شاء الله تبارك وتعالى أن المنافق في كل عصر لا يضر إلا نفسه وسادته، وأنه كَلٌّ على مولاه أينما يوجه لا يأتي بخير، وقد أثبت تاريخ الأمم الماضية أن أكثر العملاء الخائنين قتلوا بيد سادتهم الأجانب أو سجنوا وهانوا من قبلهم. {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} (الشعراء-
من موقع الصمود مع حق النشر والتوزيع
وحقوق النشر محفوظ
لا يوجد حالياً أي تعليق